انطلقت بسيارتي نحو المكان ، حيث الفجور ، والفسوق ، والعصيان ، وإذا بسيارتي تلهث ، وتتوقف ، وتأبى إلا الثبات ، ترجلت ، وفي غضب رحت اركلها ، وفي يأس رحت ألطمها، وفي استسلام رحت أتفل عليها ، فردت علي بوابل من الدخان الكثيف ملأ الأرجاء ، فتلاشيت فيه ، ورحت أذوب ، وأذوب ، وكاد يدركني اختناق ، وداهمني سعال ، فجثوت على الأرض وأنا أختنق ، ومن لهيب الشمس أصبحت أحترق ، واستسلمت لهلاكي ، وأنا أتمنى انتظار ، ومن هذا المأزق نجاة ، وغلبني النعاس ، فأغمضت عيني مستسلما.
استيقظت ربما بعد لحظات ، أو ساعات ، ولا تزال سيارتي راقدة في ثبات ، ولا تزال الشمس في كبد السماء ، احترت في أمري ، حتى داهمني وحشاً مخيفاً رأيته من الأسفل لأول مرة ، ولكني سرعان ما أدركت إنها جاموسة ، بحلقت في مندهشة ، حتى قال سائقها في نفس دهشتها :
- الجمعة يا أستاذ ؟! .... لا تفوتك بركتها .
تحسست رأسي بإعياء ، وأصلحت هندامي باستعجال ، ووقفت متصنعاً الهمة والنشاط ، ورحت أخطو باحتاً عن فني سيارات ، ويخترق أم أذني صوت الآذان ، ولا عقل يجيب ، ولا قلب لهفان ، فأنا ربما لست بإنسان ، وأغلقت في وجهي كل الأبواب ، فكل أهل القرية في المسجد ، يؤدون شعائر الصلاة ، فرحت إلى المسجد عسى أن أقنع مصلح السيارات أن يأتي معي وسأهبه ما يشاء ، بل أكثر مما يشاء ، وبينما أناديه ببعض البحات ، والصفير والغمزات ، والتلويح ، والإشارات ، إذا بأحدهم يدفعني لداخل المسجد صائحاً :
- لقد وصل الإمام ... أقيموا الصلاة .
ارتجفت خيفة ، وأصابتني رعشة ، تلتها رجفات ، والناس في المسجد تدفعني نحو المنبر ، بكل خفة وحماس ، ولا جدوى من اعتراضي ، وتبخرت مقاومتي ، ووجدت قدمي على وجه المنبر ، يصافح أولى الدرجات ، تراجعت من فوري ، والتفت خلفي ، فالناس محتشدة ، وللصلاة مجتمعة ، وغاب الإمام ، فأصبحت أنا ذاك الإمام ، ولبأس الإمام ؟!
نظرت إلى المنبر ، فرأيت عملاق ، وأنا قزم آن له أن يتسلق ذاك العملاق ، وداهمتني الذكريات ، ففي مثل هذا المكان وقف الرسول عليه الصلاة والسلام ، وكثيراً من الصحابة ، وعدد غير محدوداً من الصالحين ، والأخيار ، وبت أتساءل إلى أين سوف تقودني الأقدار ؟! فأغمضت عيني وأنا أستحي من الرحمن ، وفاضت من عيني دموعاً ، اغتسلت بها ، وتطهرت من الآثام ، وتوضأت للصلاة ، ورحت أصعد الدرج وأنا في قلبي خفقان ، يكبر الرحمن ، حتى جلست على قمة المنبر ، وراح المؤذن ينادي ، مرة ثانية إلى الصلاة ، فتدافع إلى المسجد عشرات الأشخاص ، في ثياب بيض، وعلى رؤوسهم عمم خضراء ، ويشع من وجوههم نوراً ، تخشع له الأبصار ، استغربت ، واستعجب كل من رآهم ، فلم يكونوا من تلك الديار ، ولما انتهى الآذان ، قمت لأقول ، وعقلي دارك ، وقلبي عامر ، إلا أن لساني أبى الحراك ، وتقطعت أحبال حنجرتي الصوتية ، وكاد أن يصيبني إغماء ، فقبلت يدي شاكراً الرحمن ، وضربت على قلبي وأنا أجهش في البكاء ، وألوح بيدي ، وأشير بأصبعي ، أن وحدوا الله ، ورحت أتحسس شفتي ، وأبللهما بدموع الخشوع ، والرضوخ ، والخضوع ، والانصياع ، وتعالت في المسجد غمغمات ، فهمهمات ، حتى صار لغاط ، فرحت أشير بأصبعي لينظروا إلي ، وأنا أدعو للسماء ، ليفهمني كل هؤلاء ، وأنا لا زلت أجهش في بكاء ، ورفعت كفي متذللاً أن أدعوا الله ، فساد صمت ، تلاه سكون ، وراح كل من في المسجد يدعون .
وقمت أقبل كفي ، أن الحمد لله ، وأنظر إلى السماء ، راجياً رحمة ، آملاً نجاة ، وأنا أشعر بروحي تحلق في السماء ، وكأن رحمة ما تحوطني ، ومغفرة أصابتني من الإله ، فرحت ابتسم ، وانتحب في آن ، وبينما ارفع كفي بالدعاء ، يصيح كل من في المسجد آميــــن ، وشعرت إني تحوصلت داخل ثوباً أبيضاً من النقاء ، ورحت أسموا نحو السماء ، وتقدس روحي حبيبها الإله ، وأدركت كم حقارتي ، وعظيم خسارتي ، من فعل الفسق ، والفجور ، والعصيان .
ولما نزلت عن المنبر ، كان أهل القرية في المسجد يجهشون بالبكاء ، ويصيحون موحدين الإله ، ويمدحون خطبتي ؟! وأصلحت سيارتي ، وبدأت رحلتي ، ولم أنس ، ولن ينس ، أهل القرية ،يوم جاءهم ، الخطيب الأخرس ؟!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاعبروا يا ألي الأباب
مع تحيات القيصر
استيقظت ربما بعد لحظات ، أو ساعات ، ولا تزال سيارتي راقدة في ثبات ، ولا تزال الشمس في كبد السماء ، احترت في أمري ، حتى داهمني وحشاً مخيفاً رأيته من الأسفل لأول مرة ، ولكني سرعان ما أدركت إنها جاموسة ، بحلقت في مندهشة ، حتى قال سائقها في نفس دهشتها :
- الجمعة يا أستاذ ؟! .... لا تفوتك بركتها .
تحسست رأسي بإعياء ، وأصلحت هندامي باستعجال ، ووقفت متصنعاً الهمة والنشاط ، ورحت أخطو باحتاً عن فني سيارات ، ويخترق أم أذني صوت الآذان ، ولا عقل يجيب ، ولا قلب لهفان ، فأنا ربما لست بإنسان ، وأغلقت في وجهي كل الأبواب ، فكل أهل القرية في المسجد ، يؤدون شعائر الصلاة ، فرحت إلى المسجد عسى أن أقنع مصلح السيارات أن يأتي معي وسأهبه ما يشاء ، بل أكثر مما يشاء ، وبينما أناديه ببعض البحات ، والصفير والغمزات ، والتلويح ، والإشارات ، إذا بأحدهم يدفعني لداخل المسجد صائحاً :
- لقد وصل الإمام ... أقيموا الصلاة .
ارتجفت خيفة ، وأصابتني رعشة ، تلتها رجفات ، والناس في المسجد تدفعني نحو المنبر ، بكل خفة وحماس ، ولا جدوى من اعتراضي ، وتبخرت مقاومتي ، ووجدت قدمي على وجه المنبر ، يصافح أولى الدرجات ، تراجعت من فوري ، والتفت خلفي ، فالناس محتشدة ، وللصلاة مجتمعة ، وغاب الإمام ، فأصبحت أنا ذاك الإمام ، ولبأس الإمام ؟!
نظرت إلى المنبر ، فرأيت عملاق ، وأنا قزم آن له أن يتسلق ذاك العملاق ، وداهمتني الذكريات ، ففي مثل هذا المكان وقف الرسول عليه الصلاة والسلام ، وكثيراً من الصحابة ، وعدد غير محدوداً من الصالحين ، والأخيار ، وبت أتساءل إلى أين سوف تقودني الأقدار ؟! فأغمضت عيني وأنا أستحي من الرحمن ، وفاضت من عيني دموعاً ، اغتسلت بها ، وتطهرت من الآثام ، وتوضأت للصلاة ، ورحت أصعد الدرج وأنا في قلبي خفقان ، يكبر الرحمن ، حتى جلست على قمة المنبر ، وراح المؤذن ينادي ، مرة ثانية إلى الصلاة ، فتدافع إلى المسجد عشرات الأشخاص ، في ثياب بيض، وعلى رؤوسهم عمم خضراء ، ويشع من وجوههم نوراً ، تخشع له الأبصار ، استغربت ، واستعجب كل من رآهم ، فلم يكونوا من تلك الديار ، ولما انتهى الآذان ، قمت لأقول ، وعقلي دارك ، وقلبي عامر ، إلا أن لساني أبى الحراك ، وتقطعت أحبال حنجرتي الصوتية ، وكاد أن يصيبني إغماء ، فقبلت يدي شاكراً الرحمن ، وضربت على قلبي وأنا أجهش في البكاء ، وألوح بيدي ، وأشير بأصبعي ، أن وحدوا الله ، ورحت أتحسس شفتي ، وأبللهما بدموع الخشوع ، والرضوخ ، والخضوع ، والانصياع ، وتعالت في المسجد غمغمات ، فهمهمات ، حتى صار لغاط ، فرحت أشير بأصبعي لينظروا إلي ، وأنا أدعو للسماء ، ليفهمني كل هؤلاء ، وأنا لا زلت أجهش في بكاء ، ورفعت كفي متذللاً أن أدعوا الله ، فساد صمت ، تلاه سكون ، وراح كل من في المسجد يدعون .
وقمت أقبل كفي ، أن الحمد لله ، وأنظر إلى السماء ، راجياً رحمة ، آملاً نجاة ، وأنا أشعر بروحي تحلق في السماء ، وكأن رحمة ما تحوطني ، ومغفرة أصابتني من الإله ، فرحت ابتسم ، وانتحب في آن ، وبينما ارفع كفي بالدعاء ، يصيح كل من في المسجد آميــــن ، وشعرت إني تحوصلت داخل ثوباً أبيضاً من النقاء ، ورحت أسموا نحو السماء ، وتقدس روحي حبيبها الإله ، وأدركت كم حقارتي ، وعظيم خسارتي ، من فعل الفسق ، والفجور ، والعصيان .
ولما نزلت عن المنبر ، كان أهل القرية في المسجد يجهشون بالبكاء ، ويصيحون موحدين الإله ، ويمدحون خطبتي ؟! وأصلحت سيارتي ، وبدأت رحلتي ، ولم أنس ، ولن ينس ، أهل القرية ،يوم جاءهم ، الخطيب الأخرس ؟!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاعبروا يا ألي الأباب
مع تحيات القيصر