خرجت أشهد الطبيعة كيف تصبح كالمعشوق الجميل,لا يقدم لعاشقه إلا أسباب الحب! وكيف تكون كالحبيب, يزيد في الجسم حاسة لمس المعاني الجميلة ! وكنت كالقلب المهجور الحزين ,وجد السماء و الأرض , ولم يجد فيهما سماءه و أرضه .ألا كم آلاف السنين وآلافها قد مضت منذ أخرج آدم من الجنة ! ومع ذلك فالتاريخ يعيد نفسه في القلب ,لا يحزن هذا القلب إلا شعر كأنه طرد من الجنة لساعته . * * * * يقف الشاعر بإزاء جمال الطبيعة , فلا يملك إلا أن يتدفق و يهتز و يطرب . لأن السر الذي انبثق هنا في الأرض , يريد أن ينبثق هناك في النفس . والشاعر نبي هذه الديانة الرقيقة التي تراه جميلاً لتعطيه معناه . وبهذا تقف الطبيعة محتفلة أمام الشاعر , كوقوف المرأة الحسناء أمام المصور .لاحت لي الأزهار كأنها ألفاظ حب رقيقة مغشاة باستعارات و مجازات . والنسيم حولها كثوب الحسناء على الحسناء . فيه تعبير من لابسته . و كل زهرة كابتسامة , تحتها أسرار من معاني القلب المعقدة . أهي لغة الضوء الملون من الشمس ذات الألوان السبعة؟ أم لغة الضوء الملون من الخد, والشفة, والديباج , والحلى ؟ وماذا يفهم العشاق من رموز الطبيعة في هذه الأزاهر الجميلة ؟ أتشير لهم بالزهر إلى أن عمر اللذة قصير , كأنها تقول : على مقدار هذا ؟ أتعلمهم أن الفرق بين جميل و جميل كالفرق بين اللون و اللون , و بين الرائحة و الرائحة ؟ أتناجيهم بأن أيام الحب صور أيام لا حقائق أيام ؟ أم تقول الطبيعة : إن كل هذا لأنك أيتها الحشرات لا تخدعين إلا بكل هذا...؟ * * * * في الربيع تظهر ألوان الأرض على الأرض , و تظهر ألوان النفس على النفس . ويصنع الماء صنعه في الطبيعة فتخرج تهاويل النبات , و يصنع الدم صنعه فيخرج تهاويل الأحلام , ويكون الهواء كأنه من شفاه متحابة يتنفس بعضها على بعض , و يعود كل شيء يلتمع لأن الحياة كلها ينبض فيها عرق النور , ويرجع كل حي يغني لأن الحب يريد أن يرفع صوته . * * * * و في الربيع لا يضيء النور في الأعين وحدها , و لكن في القلوب أيضاً . و لا ينفذ الهواء إلى الصدور فقط , و لكن إلى عواطفها كذلك . و يكون للشمس حرارتان إحداهما في الدم . ويطغى فيضان الجمال كأنما يراد من الربيع تجربة منظر من مناظر الجنة في الأرض . و الحيوان الأعجم نفسه تكون له لفتات عقلية فيها إدراك فلسفة السرور و المرح . * * * * و كانت الشمس في الشتاء كأنها صورة معلقة في السحاب . و كان النهار كأنه يضيء بالقمر لا بالشمس . و كان الهواء مع المطر كأنه مطر غير سائل . و كانت الحياة تضع في أشياء كثيرة معنى عبوس الجو . فلما جاء الربيع كان فرح جميع الأحياء بالشمس كفرح الأطفال رجعت أمهم من السفر . * * * * و ينظر الشباب فتظهر له الأرض شابة . و يشعر أنه موجود في معاني الذات أكثر مما هو موجود في معاني العالم . و تمتلىء له الدنيا بالأزهار , و معاني الأزهار , و وحي الأزهار . و تخرج له أشعة الشمس ربيعاً و أشعة قلبه ربيعاً آخر . و لا تنسى الحياة عجائزها , فربيعهم ضوء الشمس ... * * * * ما أعجب سر الحياة ! كل شجرة في الربيع جمال هندسي مستقل . و مهما قطعت منها و غيرت من شكلها أبرزتها الحياة في جمال هندسي جديد كأنك أصلحتها . و لو لم يبق منها إلا جذر حي أسرعت الحياة فجعلت له شكلاً من غصون و أوراق . الحياة الحياة . إذا أنت لم تفسدها جاءتك دائماً هداياها . و إذا آمنت لم تعد بمقدار نفسك , و لكن بمقدار القوة التي أنت بها مؤمن . * * * * [ فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها ] . و انظر كيف يخلق في الطبيعة هذه المعاني التي تبهج كل حي , بالطريقة التي يفهمها كل حي . و انظر كيف يجعل في الأرض معنى السرور , و في الجو معنى السعادة . و انظر إلى الحشرة الصغيرة كيف تؤمن بالحياة التي تملؤها و تطمئن ؟ انظر انظر ! أليس كل ذلك رداً على اليأس بكلمة : لا ... ؟
2 مشترك
وصف الربيع للرافعي
محمد ناصر الدين- عضو بدو يترفع
- عدد المساهمات : 26
نقاط : 68
ضع تقييمك للمنتدى : 0
تاريخ التسجيل : 19/01/2012
العمر : 32
- مساهمة رقم 1
وصف الربيع للرافعي
ReiMANn- عضو جيد
- عدد المساهمات : 159
نقاط : 263
ضع تقييمك للمنتدى : 6
تاريخ التسجيل : 06/06/2011
العمر : 31
الموقع : UAE-SYR
- مساهمة رقم 2
رد: وصف الربيع للرافعي
NICE YA KBEEER
ESTAMER ...
AsaD...
ESTAMER ...
AsaD...